دراسة تربوية لكتاب المقدمة لابن خلدون
المملكة العربية السعودية,
وزارة التعليم العالي,
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة,
كلية الدعوة وأصول الدين,
قسم التربية الإسلامية.
دراسة تربوية لكتاب المقدمة لابن خلدون
إعداد الطالب:
محمد مبارك عبد الستار
الإشراف:فضيلة الشيخ د/محمد عمر فلاته
العام الجامعي: 1432-1433ه
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المصنف:[1]
هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد, ابن خلدون أبو زيد,ولي الدين الحضرمي الاشبيلي, الفيلسوف العالم الاجتماعي, أصله من اشبيلية, ومولده ونشأته بتونس, اشتهر بكتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"في سبعة مجلدات, أولها المقدمة وهي تعد من أصول علم الاجتماع, وقد ترجمت إلى اللغة الفرنسية وغيرها, وكانت ولادته في تونس غرة رمضان 732هـ الموافق 27 ما يو 1332م وتوفي في 26 رمضان سنة 808هـ الموافق 16 مارس 1406م وسنه 76 سنة, ودفن خارج باب النصر بمقبرة الصوفية في القاهرة .
ابن خلدون" عالم موسوعيٌّ متعدد المعارف والعلوم، ورائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، وهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التاريخ، وأحد رواد فن " autobiography" - فن الترجمة الذاتية - وأحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، وله إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.
عقيدته:
ابن خلدون في آرائه العقدية و المسائل التي رواها – و إن كان اشعري المذهب – إلا انه يلتقي مع مذهب السلف في كثير من مسائل العقدية لاسيما ما يتعلق منها بالتوحيد و مسائل السمعيات وكان موقف ابن خلدون من العقائد الشركية و البدع و الضلالات كان شديدا و مخالفا من الأفعال الشركية كالتنجيم و العراف و الكهنة و غيرهم . أما في مسائل الأسماء و الصفات لم يكن موفقا و قد جانبه الصواب و إنما كان أشعريا يقول كما يقول متأخروا الأشاعرة بالتأويل و المجاز.[2]
مكانته العلمية من خلال ثناء العلماء عليه :
تبوأ ابن خلدون مكانة مرموقة في الأوساط العلمية و اثني عليه كثير من علماء عصره و وجد تقديرا من الحكماء و ذوي الجاه و السلطان في هذا العصر .
قال الوزير لسان الدين بن الخطيب عنه : "هذا الرجل الفاضل , حسن الخلق و جم الفضائل باهر الخصال ,عالي الهمة , صحيح التصور , متقدم في الفنون النقلية و العقلية .
و قال الحافظ ابن حجر عنه . "كان لسنا فصيحا بليغا , ..., مع معرفة تامة بالأمور خصوصا متعلقات المملكة ". وقال أيضا رحمه الله: " كان مؤرخا بارعا"[3]
وقال تقي الدين المقريزي : شيخنا العلم العلامة الأستاذ قاضي القضاة .
أشهر كتاباته:[4]
- من أشهر كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر",
- وقدم لكتابه هذا بمقدمة شهيرة باسم (مقدمة ابن خلدون) طغت شهرتها على الكتاب نفسه، وهو في الخامسة والأربعين من عمره.
- شرح البردة وهو كتاب في مدح الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم). وكتاب لباب المحصل في أصول الدين، وهو تلخيص كتاب الفخر الرازي في علم التوحيد,وكتاب في الحساب, ورسالة في المنطق.
- كتابه الشهير "التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا" يعد رائداً لفن الترجمة الذاتية -autobiography
وصف الكتاب :
- ما هى المقدمة؟ وما قيمتها العلمية ؟
هي كتاب ألفه ابن خلدون سنة 1377م كمقدمة لمؤلفه الضخم الموسوم كتاب العبر. وقد اعتبرت المقدمة لاحقا مؤلفا منفصلا ذا طابع موسوعي إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها مركزا في تفسير ذلك على مفهوم العصبية. بهذا الكتاب سبق ابن خلدون غيره من المفكرين إلى العديد من الآراء والأفكار، حتى اعتبر مؤسسا لعلم الاجتماع، سابقا بذلك الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت.
فالكتاب عبارة عن محاولة إسلامية لفهم التاريخ العالمي ويعتبر من أوائل الكتب التي تهتم بعلم المجتمع. وقد ترجم إلى العديد من اللغات الحية، وعليه ترتكز مكانة ابن خلدون وشهرته..ونظراً لمكانتها العلمية، فقد حظيت المقدمة منذ أن وقعت عليها الأنظار بعناية المؤرخين وعلماء الاجتماع و الفلاسفة واللغويين عرباً ومستشرقين، كما طبعت عدّة مرّات بتحقيقات مختلفة.
طبعات الكتاب:[5]
طبع المقدمة غير مرة و من طبعاته :
- أول من طبعها كاترومير Qatremére في ثلاثة أجزاء بباريس سنة 1858،
- طبع في القاهرة 1311 هـ - 1893م، وبهامشها سراج الملوك للطرطوشي و1320-1322هـ، وبهامشها (التعريف بابن خلدون)
- وطبعت ببيروت سنة 1956 مزودة بالفهارس.
- والمقدمة، بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، في أربعة أجزاء، طبعت من لجنة البيان العربي، بالقاهرة . يُعَدُّ تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي من أفضل ما يميز طبعته ؛ لأنه أضاف في حواشيه نظرات ثاقبة في فكر ابن خلدون ، ولكن ظهرت طبعة جيدة جدا من المقدمة عن مخطوطة نفيسة حاول المحقق أن يبقيها للنص فقط فلم يثقل الحواشي ولم يتوسع في الشرح والتعليق أملا منه أن يصدر طبعة شاملة لفروق النسخ الخطية ، والتعليقات المفيدة
طريقة تنظيم الكتاب :
. وقد اعتبرت المقدمة لاحقا مؤلفا منفصلا ذا طابع موسوعي إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها مركزا في تفسير ذلك على مفهوم العصبية.
عالجت مقدمة ابن خلدون موضوعات متنوعة ضمن ستة أبواب،من حيث طال البابان الثالث والسادس عن غيرهما،فكان أن جاء:
الباب الأول: في العمران البشري على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض.
الباب الثاني: في العمران البدوي وذكر القبائل والأمم الوحشية.
الباب الثالث: في الدول والخلافة والملك وذكر المراتب السّلطانية.
الباب الرابع: في العمران الحضري والبلدان والأمصار.
الباب الخامس: في الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه.
الباب السادس: في العلوم واكتسابها وتعلّمها.
دراسات حول المؤلف و كتابه المقدمة:
هناك في سالساحة العلمية عديد من الدراسات حول المؤلف و كتابه المقدمة .منها ما يلي
- ابن خلدون وآرائه الأعتقادية_عرض و نقد_لعبد الله عبد الرشيد , رسالة الدكتورة في قسم العقيدة الإسلامية في جامعة أم القري .سنة 1420
- التربية عند ابن خلدون . البحث المنشور في مجلة الشرق ,مجلد عام 1949
محاسن الكتاب و المآخذ عليه:
- فالكتاب يعتبر خير ممثل لثقافة الذي عايشه ابن خلدون .
- المقدمة يعتبر خلاصة الكتاب "العبر ..ز" و يمتاز بالجمع الواسع و بالفنون المختلفة و الحضارات المتعددة
- يمتاز الكتاب أنه يعتبر مؤسس علم الإجتماع . فهي مليئة بالأسس و المبادي الإجتماعية و التربوية .
- والكتاب يمتاز بأنه موسوعة لعديد من العلوم و الفنون , بعبارة فصيحة بليغة.
- ويمتاز الكتاب بدقة الإستنباط من القصص و الحكم , وبالتحليل الدقيق للواقع.
وما وقفت بالمآخذ علي هذا الكتاب إلا أن المؤلف سلك في بعض المواقف مسلك الأشاعرة .
مجالات الاستفادة من الكتاب في البحوث التربوية :
ينطلق الاتجاه التربوي في المقدمة أساسا من نظرة المؤلف للإنسان المستمدة من رؤية إسلامية واضحة و تضع هذا الكائن الحي في مكانه الذي شرعه الله له , ومن يقرأ مقدمته يجد أنه يؤكد تلو الأخري علي تميز الإنسان بالفكر الذي وهبه الله إياه متعاملا معه بمكوناته الكافة : العقل , والروح و الوجدان و الحس , والغرائز و الجسد دون عزل أو فصل أو تقطيع . و تشتمل المفهومات التربوية في المقدمة علي تحليلات قيمة عن الأهداف التربوية , ومحتوي التعلم , و طرائقه و أساليبه و وصفات المعلم و المتعلم . كما انه يقف طويلا عند نظرية المعرفة ذات الارتباط الوثيق بالتربية , ويقدم في الوقت ذاته رؤية جيدة لعلاقة التربية بالبيئة و واثر كل منهم في الآخر .
- فالباحث التربوي و المؤسسات التعليمية المعاصرة يمكن أن تستفيد من هذا الكتاب القيم في تقوية بناء الدراسات الأكاديمية من حيث الأسلوب في كتابة المواضيع التربوية و طريقة ربط الآيات القرآنية و الاحاديث النبوية بالنظريات االتعليمية و بالواقع المعاصر ,و استنتاج المبادئ العامة و الخاصة لعمليتنا التعليمية .
- ويمكن ان يستفيد الباحث من هذا المصدر العظيم في اقتباس الآراء و الاقوال المتصلة بالجوانب التربية المتعددة مثل الجانب االعلمي و الخلقي و العقلي و النفسي و الجسدي و الاجتماعي من الجوانب التربية الإسلامية . وكيف لا بأن صاحب المقدمة مؤسس لعلم الإجتماع.
- ويمكن أن يستفيد الباحث التربوي من هذا الكتاب في بيان معاني المصطلحات التربوية الموجودة في هذا الكتاب مثل العلم و المنهج و التعليم , وطرق التدريس ,و الأهداف و التحصيل العلمي و غيرها من المصطلحات التربوية .
- ويتعلم الباحث التربوي من دراسة المقدمة أسلوب النقد و التحليل الجيد لأن صاحب المقدمة يحلل القضايا المعاصرة بتحليل دقيق .
أهم المفهومات التربوية و تطبيقاتها التي يمكن أن يستفيد الباحث التربوي فمن خلال هذا الكتاب كما يلي :[7]
القرآن هو أصل التعليم : ذهب ابن خلدون إلي أن القرآن هو أول ما يتعلمه الصبي , فالقرآن اصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل من الملكات و انتقد علي طريقة ابن العربي –رحمه لله – في تقديم تعليم العربية و الشعر و تاخير البدء بتعليم القرآن
الرحلة في طلب العلم : فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد و الكمال بلقاء المشائخ و مباشرة الرجال " . و الرحلة التي يثصدها ابن خلدون هي الرحلة إلي ملاقاة الأساتذة المتخصصين و السعي اليهم ز وفي هذا تطبيق لمبادئ القرآن الكريم و السنة المطهرة التي تحث علي طلب العلم التعلم.
تعليم اللسان العربي :يؤكد ابن خلدون ف ي المقدمة عند الجديث عن تعليم السان العربي علي كثرة حفظ كلام العرب و اشعارهم و ان القرآن الكريم و الحديث هما مصدران رئيسيان في تعلم العربية .
العلم أساس تطور العمران و الحضارة : فقد إهتم ابن خلدون بدراسة تطور المجتمات من حالة البداوة إلي حالة التحضر , اعتبر العلم و التعليم ظاهرة من الظواهر الإجتماعية التي تميز المجتمات المتحضرة , وفي ذالك يقول : العلم و التعليم أمر طبيعي في العمران البشري , لان الإنسان يتميز عن الحيوان بالفكر , عن الفكر تنشأ العلوم . "
الشدة تضر بالمتعلمين :
يكرر ابن خلدون في المقدمة ما أكده سابقوه و ولاحقوه من الرفق بالمتعلم لأن الشدة مضرة به , وقد يبين ضرر الشدة علي المتعلم وما يترتب عليه من آثار ضارة فتلمسه إلي التبلد و الكذب و الخبث .
التدرج في التعليم :
فيقول في ذلك :" إن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان علي التدرج شيئا غشيئا و قليلا قليلا , يلقي عليه اولا مسائل من كل باب من الفن هما أصول ذلك الباب و يقرب له في شرحها علي سبيل الإجمال و يراعي في ذلك قوة عقله و إستعداده لقبول ما يرد عليه حتي ينتهي إلي آخر الفن و عند ذالك يحصل له ملكة في ذالك العلم ".
التطبيقات التربوي في المقدمة كما يلي :[8]
اقسام المنهج : يري ابن خلدون قسمين كبيرين للمنهج :
العلوم النقلية : وهي كلها مستندة إلي الخبر من مصدره الشرعي و لا مجال للعقل إلا في إلحاق الفروق من مسائلها بالاصول مثل علم التفسير و علم القراءات و علوم الحديث و علم اصول الفقه و علم البيان الأدب
العلوم العقلية :و هذه هي التي يهتدي إليها الإنسان بعقله .
طريقة التعليم و التدريس :
يشجع ابن خلدون اسلوب المناظرة و الحوار في التدريس و عده الاسلوب المفضل و ويقول : إن ملكة العلم " إنما تحصل بالمحاورة و المناظرة و المفاوضة في مواضيع العلم و وهو يعيب طريقة الحفظ و ويري أن قصور بعض العلماء في عصره عند المناظرة هو نتيجة التركيز علي الحفظ . و ينبه ابن خلدون المعلم إلي ضرورة كون الدروس مترابطة لا تفصل بينها فترات طويلة لأن وجود هذه الفترات يترتب عليه نسيان النتعلم لما درسه . كما يحذر المعلم من تعليم أكثر من علم واحد و ينصح للمعلم بأن يستعين في التدريس بضرب الأمثلة السية الموضحة للموضوع و أن ياخذ بأسلوب الملاينة و ينتقد في المقدمة المختصرات المسماة اليوم بالمتون فيقول في هذذ الصدد :" وصار ذلك مخلا بالباغة و عسرا علي الفهم ... ثم يقول ... و هو فساد في التعليم و فيه إخلال بالتحصيل ".
و صلي الله علي نبينا محمد و علي آله و صحبه اجمعين .
[2] - انظر : ابن خلدون , وآرائه الاعتقادية عرض و نقد , لعبد الله عبد الرشيد . رسالة دكتورة في جامعة أم القري ص:92-96
[3] - رفع الاصر عن قضاة مصر للحافظ ابن حجر ، تحقيق :د//حامد عبد المجيد، ج2 ،ص 345
[4] - انظر :ابن خلدون، وآرائه الاعتقادية عرض و نقد ، ص:101-106
[7] -- انظر :التربية الاسلامية المفهومات و التطبيقات ،د/سعيد اسماعيل علي و آخرون ، ط 3 ،1428ه ،ص: 206-208 بتصرف
[8] -- المرجع السابق ، ص:209
تعليقات
إرسال تعليق
thank you very much .
welcome here